لهث مركوشيو : "لقد أصبت .. اللعنة على عائلتيكما ! لقد عجّل علي ! "
صعق روميو لحلول هذه المأساه أثناء قمة سعادته , حاول أن يهدئ صديقه فقال :" تشجع أيها الرجل ,فالجرح ليس عميقا ً "
بقي مركوشيو مرحا ً فترة بعدها قال هازئا ً :" لا , هو ليس عميقا ً كبئر , ولا واسع كباب معبد , ولكنه كافٍ للموت ...! "
ثم توفي وهو يردد " اللعنة على عائلتيكما ... "
لم يستطع روميو أن يلبث هادئا ً أكثر من ذلك . فهو سبب موت صديقه الحميم , لذا يجب أن يثأر له .
وعندما قدم تيبلت يتبختر منتصرا ً , رد روميو على تحديه بمرارة , وقاتل بجدية وبقوة , لم يستطع تيبلت أنه يحاربه فيها .
خلال لحظات قليلة سقط تيبلت قتيلا ً , فيما نظر روميو إلى الجسد وقد أصيب بدوار وارتعاش وساوره شعور بمأساه قريبة .
حثه بنفوليو قائلا ً : " لاتقف مصعوقا ً , فالأمير سيصدر حكما ً بموتك , لو تم القبض عليك , ابتعد ! ارحل ! ابتعد ! "
جمع روميو قواه وشق طريقه باتجاه صومعة الأخ لورانس قبل ثوان ٍ قليلة من وصول الأمير وأتباعه .
سأل الأمير : " من هم الأشرار الذين بدأو هذا النزاع ؟ "
فشرح بنفوليو كيف بدأ ذلك كله بتحد ٍ من تيبلت لروميو ووصف له كيف حاول روميو أن يتجنب إراقة الدماء , لكنه دفع إليه بموت صديقه مركوشيو .
كان الأمير قاسيا ً وصارما ً. لقد أريق الدم في الشوارع وقتل قريبه .
وذبح تيبلت مركوشيو وتيبلت قتل .
لقد قتل روميو تيبلت ولا بد أن يعاقب .
بعدها أصدر الأمير حكمه بنفي روميو أو بموته .
في تلك الأثناء، كانت جولييت تنتظر زوجها بفرح. وقد هيأ روميو سلما من الحبال تقوم المربية بإحضاره بحيث يستطيع التسلق خفية إلى غرفة جولييت عند إشارة معينة.
وصلت المربية إلى بيت جولييت منتحبة، وقالت وهي تولول:" لقد مات تيبلت، ونفي روميو، لأنه قتله".
فصاحت جولييت : " يا إلهي! هل أراقت يدا روميو دم نيبلت؟" وفي غمرة حزنها استنكرت بشدة قتل ابن عمها – لكنها عادت إلي رشدها توا وتذكرت أن القاتل هو زوجها المحبوب.
سألت المربية : " هل تستحسنين عمل من قتل ابن عمك؟!"
ردت جولييت: " وهل أتحدث بالسوء عن زوجي؟
"إن زوجي على قيد الحياة، وقد كاد تيبلت أن يذبحه..وتيبلت مات، وهو الذي كاد أن يقتل زوجي..."
لكن روميو نفي- وهذه بالنسبة لجولييت أسوأ نكسة، فأخذت المربية العجوز تواسي سيدتها الباكية ووعدتها قائلة:" سأعثر على روميو كي اريحك"، ثم ذهبت إلي صومعة الأخ لورانس.
كان روميو شديد الإضطراب. وقد حاول الأخ لورانس أن يخبره بأن النفي هو حكم رؤوف، لأنه بديل عن عقوبة الموت.
لكن روميو لم يكن مصغيا. فالنفي كان يعني الإفتراق عن جولييت، وهذا كان أسوأ من الموت بالنسبة له. دفعه الأخ لورانس إلى للإستماع وغلي تعداد إيجابيات النفي. فهو حي وجولييت حية. وباستطاعته الذهاب إلي مدينة مانتوا والعيش هناك إلي أن يحين وقت إعلان زواجه من جولييت، وتتم المصالحة بين العائلتين . بعد ذلك ربما يصدر الأمير عفوا، وتمكن روميو من العودة إلى فيرونا والعيش بسعادة وأمان مع جولييت.
أصبح روميو أكثر هدوءا. ثم وصلت مربية جولييت تحمل رسالة تنبيء روميو بانتظار جولييت له، فغادر ليزور عروسه وهو مدرك أن عليه مغادرة فيرونا قبل الفجر وإلا عليه أن يواجه الإعتقال والموت.
أمضي روميو وجولييت ساعاتهما القليلة معا، بعدها رحل روميو وجلست جولييت تبكي فراقه.
ومن دون أن يدركا سبب حزن ابنتهما، ظن اللورد والليدي كابيوليت أنها تبكي لموت ابن عمها، فرجوها أن تكون أكثر إعتدالا في حزنها. وعندما تقدم كونت باريس المؤهل جدا للزواج من جولييت، ظن اللورد كابيوليت المتلهف لهذا الزواج الممتاز، أنه وجد وسيلة ليخفف بسرعة دموع ابنته. فقال للكونت باريس أن بإستطاعتهم الإستغناء عن الشكليات الرسمية وذلك بعدم سؤال جولييت عن رأيها. فهي ستوافق على مشيئة والدها، وسيتم الزفاف في غضون ثلاثة أيام.
أصابت الأبوين دهشة قوية لرفض جولييت هذا الزواج، فتضايقت الليدي كابيوليت من عناد ابنتها الأحمق، وساور اللورد كابيوليت غضب شديد ونعت ابنته بأنها عاصية وجاحدة وهددها بعقاب رهيب. توسلت جولييت أمام والدتها، وقالت برجاء:
" لاتتخليا عني، أخِرا هذا الزواج لشهر أو لإسبوع.."
لكن والدتها أجابت ببرود: " لا تتحدثي إلي ...إفعلي ماتشائين لأنني سئمتك".
ثم توسلت جولييت إلى رفيقة حياتها ومربيتها العجوز: " أريحيني ، إنصحيني...ماهو رأيك؟"
لكن المرأة العجوز المنهمكة في القيل والقال لم تشأ أن تتسبب في المتاعب، فقالت :" لقي نفي روميو ..أعتقد أن من الأفضل لك الزواج من الكونت. أوه إنه سيد رائع"...
عند ذلك أدركت جولييت أنها لن تحظي بأية مساعدة. وهي لا تستطيع الوثوق بأحد في منزلها، وعليها أن تخفي افكارها الحقيقية.
قالت لمربيتها العجوز: " إذهبي وأخبري أمي إنني ذاهبة إلي صومعة الأخ لورانس لأعترف ويغفر لي بعدما أغضبت والدي".
لكن الدافع لزيارة جولييت الأخ لورانس كان غير ذلك. فهي لم تذهب للإعتراف بل لترجوه المساعدة. كيف يمكن توقيف الزواج من الكونت باريس؟ إنها تفضل الإنتحار على الزواج منه.
تنتحر؟ هذه الكلمة قدمت فكرة إلى الأخ لورانس. فإن كانت جولييت يائسة إلى هذا الحد، فبإستطاعته أن يقترح علاجا يائسا لايملك غيره. فهي سيعطي جولييت مهدئا يدخلها في غيبوبة هي أشبه بالموت لمدة إثنين وأربعين ساعة. عند ذلك تظن عائلتها أنها ميتة، فتنقل إلى مدفن آل كابيوليت في المقبرة الكائنة في فيرونا، حيث تسجي في نعش مكشوف.
أثناء ذلك، يبعث الأخ برسول إلى مانتوا ليطلب من روميو الحضور خفية إلى المدفن، بحيث يصل هناك عندما تستفيق جولييت. عندئذ يستطيع الحبيبان العودة معا إلى مانتوا ريثما يكون الأخ قد شرح كل الأمر إلى عائلتيهما وتصبح عودتهما آمنة.
قبضت جولييت على الزجاجة الصغيرة التي قدمها الأخ وعادت إلى منزلها ساكنة، تظهر الطاعة لمشيئة والديها.
خلال الليلة التي سبقت يوم زفافها من الكونت باريس، طلبت جولييت أن تترك بمفردها كي تلجأ إلي فراشها باكرا، فيما تستمر التجهيزات.
نظرت إلى المهدىء، فسرت فيها رعشة من الخوف. ولنفترض أنه لم ينفع؟ ولنفترض أنه سم فتموت؟ أو لنفترض أنها أفاقت قبل أن يصل روميو فتجد نفسها في القبر مع جثث الموتي ولها وما من أحد يريحها؟ يجب أن تطرد مثل هذه الهواجس، ويجب أن لا تفكر إلا ب روميو.
هتفت وهي تجرع المهدىء: " سأشرب هذا من أجلك ". ثم هوت إلي وسادتها وكأنها ميتة.
عندما جاءت مربيتها وأمها لإيقاظها في الصباح وإلباسها ملابس الزفاف الفاخرة، وجدتا جسدا ميتا ، فتردد صدى دموعهما ونحيبهما في القصر. أصبح حفل الزفاف موكبا جنائزيا، وحملت جولييت إلى مدفن العائلة يتبعها أصدقاؤها المنتحبون. قرأ الأخ لورانس مراسم الدفن، ورحل المعزون لتبقي جولييت مسجاة في القبر.
لكن خطأ ما طرأ على خطة الأخ لورانس. إذ تأخر الرسول الذي بعث به إلى روميو. وبدلا من وصول الرسول، وصل خادم روميو الذي حمل له نبأ وفاة جولييت. غمر الحزن روميو، فبدون جولييت لا يريد الإستمرار في الحياة، وصمم على شراء السم لوضع حد لحياتة الكئيبة. ولكن سيذهب إلي فيرونا ليلقي نظرة أخيرة عليها ومن ثم ينتحر.
عندما وصل رسول الأخ لورانس أخيرا، كان روميو قد غادر إلى فيرونا، وعادت الرسالة بتفسيرها المهلم إلى الأخ دون أن تسلم لروميو.
ذهب روميو إلى أملاك آل كابيوليت مباشرة، وهو لايدرى أن كونت باريس كان يحرس في ظلال المعبد بجانب قبر الفتاة التي أمل الزواج منها.
رأى الكونت باريس روميو، قاتل تيبلت، والذي بدا مستعدا ليلحق المزيد من العار بآل كابيوليت باختراق حرمة قبرهم. استل سيفه، فرجاه روميو بأن لا يقاتل بل أن يسمح له بالدخول إلى القبر بسلام، لكن باريس لم يسمع له، بل حاربه، فصرعه روميو ولكنه التمس وهو يزفر أنفاسه الأخيره أن يوضع بالقبر إلى جانب جولييت. فحمل روميو باريس إلى القبر.
هنالك تمدد تيبلت وهنالك تمددت جولييت بثوب عرسها ، وكانت جميلة جدا في موتها مثلما كانت وهي حية، لمس وجنتيها وشفتيها ثم هتف: " هنا سوف ابقي، سأجعل رقادي الأخير".
ثم جرع بسرعة السم الذي أحضره ليموت توا إلى جانبها.
أسرع الأخ لورانس إلى المدفن لينتظر وصول روميو ويقظة جولييت. وعندما صدمته رؤية جسد كونت باريس وجسد روميو، توسل إلى جولييت التي أفاقت حديثا أن تخرج معه. لكن عندما رأت جولييت زوجها ميتا بجانبها، لم تقبل أن تذهب، ففر الأخ بمفرده. نظرت جولييت إلى روميو وإلى زجاجة السم بيده. إنه لم يشأ أن يحيا بدونها، وهي لن تعيش بدونه. عانقته لآخر مره واستلت خنجره وطعنت به نفسها.
انتشرت إشاعات حول أحداث رهيبة في المدينة، فجاء آل كابيوليت وآل مونتيغيو والأمير نفسه إلى المدفن حيث كانت الأجساد الأربعة مسجاة بانتظارهم.
والآن، في غمرة ندمهم، كشف الأخ لورانس عن القصة كلها، إبتداء من شعائر الزفاف التي أجراها على أمل أن يسفر ذلك عن سلام عائلي، حتى تلك اللحظات المأساوية الأخيرة عندما لم ينفذ المخطط بدقة ليسفر عن هذه النتائج الرهيبة.
قال الأمير: " كابيوليت! مونتيغيو! انظرا أى عقاب قاس جرته عداوتكما".
وبحزن صافح الأبوان اللذان أصبحا الآن من دون أولاد. وانتهت العداوة القديمة بينهما. نظر اللورد مونتيغيو إلى جسد عروس ابنه ووعد بأن يشيد لها في فيرونا تمثالا من الذهب الخالص.
ورد اللورد كابيوليت : " بالفخامة ذاتها سوف يتمدد روميو بجانب زوجته . إنها تضحيات هزيلة لعداوتنا!".