تخيل نفسك وأنت تجلس فى عربة من عربات هذا المترو وتتابع عن قرب مايجرى فيها
لقد توقف مترو الأنفاق فى إحدى المحطات فصعدت إلى هذه العربة فتاة فى منتصف العشرينات ترتدى معطفا خفيفا وترفع ياقته حتى تكاد تغطى معظم وجهها الذى يتمتع بجمال اخاذ هادئ ولكنه يجذب إليه من ينظر إليها فتشعر وكأنك تعرفها من قبل وتخبرك عينيها بحزن عميق يرسو فيهما ولكنه يزيد من جمالها ويعطيها سحرا خاصا عندما تنظر بهما لأى شئ
ثم صعد ورائها شاب فى اوائل الثلاثينات ضئيل الجسم جاد الملامح يحمل على احدى كتفيه حقيبة يبدو من معالمها أنها حقيبة ”لاب توب“
ثم بعد لحظات تنغلق أبواب العربة ويبدأ المترو فى التحرك شاقا طريقه إلى المحطة التالية
تتحرك الفتاة وتتتجه إلى أقرب كرسى لتجلس عليه
أما الشاب فيظل واقفا ويتجول بناظره فى بقية الركاب يمينا ويسارا ثم يبدأ الحديث بصوت مرتفع ويقول
سيداتى ..انساتى..مساء الخير
استميحكم عذرا ولكن أرجو الانتباه
فتتعلق عيون بعض الركاب بهذا الشاب ومن بين هذه العيون تنظر إليه الفتاة فى عدم اكتراث بعيونها الحزينة
فيكمل حديثه قائلا
اعرف أنكم كثيرا ماتواجهون باعة جائلين فى مترو الانفاق وخصوصا هذه الأيام فقد زاد عددهم للغاية
ولكن دعونى فى البداية أقدم نفسى
أنا يوسف..32 عاما
ولاتقلقوا لن أتسول منكم طالبا الاحسان أو اعالة أطفال أيتام كما يفعل البعض
ولكنى هنا اليوم ..لأننى قرأت فى مجلة أن عدد الفتيات غير المتزوجات فى مصر قد تجاوز ال35 مليون فتاة...أين هن؟؟
فبدأ الجميع ينظرون إلى هذا الشاب وعلامات الدهشة تملأ الوجوه
اما الفتاة فقد تغيرت علامات وجهها غير المكترسة
ونظرت إلى الأرض وبدا أن كلمات هذا الشاب لمست شيئا بداخلها
ثم عادت بسرعة لترفع رأسها وتتابع مايقول
فاستكمل حديثه قائلا
فأنا شاب عازب ولا أخجل من هذا..ولكنى مللت قضاء أمسايتى كل يوم بمفردى أمام التليفزيون لمشاهدة مجموعة من البرامج الغبية
أو الدخول على الانترنت لمحادثة بعض الفتيات على الشات
فهذه ليست حياة
فأنا لاأريد ان أضيع عمرى أكثر من ذلك
فأنا مهندس كمبيوتر ولى راتب ثابت يصل إلى 5 آلاف من الجنيهات كل شهر
وأنا شاب رياضى
وأجيد الطهى
فيضحك الجميع لما يقول
وتبتسم الفتاة وهى تعلق عينيها على هذا الشاب الذى يتحدث بمنتهى البساطة.. والابتسامة لاتفارق وجهه
وتشارك الركاب فى ضحكهم ولكنها تضحك ليس سخرية منه وانما اعجابا بقدرته وشجاعته على مواجهة مشكلته بابتسامة كلها أمل وتفاؤل
فينظر الشاب إليهم مبتسما ويقول.. أضحكوا كما تشاؤون ثم يقول باصرار
ولكنى مؤمن بالسعادة
وكل ماأبحث عنه هو فتاة عمرها مابين 20 إلى 30 سنة
تريد مشاركتى هذا الحلم وتكون كل حياتى
ثم يقول حاسما أمره... لهذا إذا شعرت إحداكن بأنها هذه الفتاة فيمكنها النزول عندما يتوقف المترو فى المحطة القادمة وسأقابلها على رصيف المحطة
فيصيح أحد الركاب
أأنت مجنون؟!! .. عش عازبا أفضل
فأنا متزوج من خمس سنوات من امرأة أقل ماتوصف به أنها ألم بالنهار وعذاب بالليل
فيضحك الجميع لما يقوله هذا الرجل الغاضب الذى يستأنف حديثه قائلا
فّإذا أحببت أن تبادلنى حياة الحرية التى تنعم بها ..فأنا على استعداد أن أطلق زوجتى وأن تتزوجها أنت
ولكن لاتأتى فى يوم وترجع فى كلامك!!
ويضحك الجميع ولكن الشاب لايضحك على كلام هذا الرجل وإنما ينظر إليه متألما ويقول
أشكرك سيدى..فأنا لا أريد زوجتك ولكن إذا استحالت حياتك معها ولاتجد حلا غير الطلاق ..فخذ قرارك وبعدها إذا رضيت بى زوجتك لأشاركها حياتها فسأكون شاكرا
فيرد عليه الرجل قائلا ستوافق فكل مايهمها النقود وأنت لديك منه الكثير
فيقاطعه الشاب قائلا..لا.. سيدى.. انا ابحث عن الحب ..فلست ممولا للمال ولا أملك إلا المشاعر الصادقة
فيعترض الرجل على كلامه ويقول له متحديا ..أنت فى مشكلة كبيرة ..وستقضى بقية عمرك فى مترو الأنفاق لتبحث عنها ولكنك لن تجدها
فيجيب الشاب قائلا..اعذرنى سيدى فمن يريد الحب الحقيقى فعليه أن يبحث عنه مهما كلفه هذا من وقت وجهد
فتنظر الفتاة فى عينى الشاب وتتغير ملامح الحزن التى كانت ترسو بهما ويحل محلهما ملامح جديدة من الأمل الممتزج بالتفاؤل
فيجيبه الرجل مستهزءا ..اوهام ..ستفيق منها ولكن بعد فوات الآوان
فلاتهتم الفتاة بما يقوله الرجل ولكنها تعلق عينيها على الشاب
الذى لاينظر إليه هو الاخر وانما ينظر لبقية الركاب وقد بدأ المترو يدخل فى محطته التالية وبدأ يهدأ من سرعته ليتوقف
فيقول الشاب
سيداتى ..اكرر عرضى
فإذا كانت إحداكن تريد مشاركتى هذا الحلم وتريد حياة حقيقية مليئة بالحب فلتنزل الآن المحطة القادمة ولاتتردد
فتنهض الفتاة من مقعدها وتتجه صوب الباب مباشرة وهى تمشى بكل ثقة وكأنها تتجه بخطواتها نحو حلم تراه عينيها وتريد أن تصل إليه ليتحول إلى حقيقة
ويقف المترو وتفتح الأبواب وتخرج الفتاة مسرعة من إحدى الأبواب ثم تلتفت ورائها وتنظر إلى الشاب وعينيها مليئة بالفرح ..والابتسامة تحولت إلى ضحكة واسعة وكأنها اخيرا وجدت ماتبحث عنه
وتنتظر نزول الشاب كما قال على رصيف المحطة فيقترب الشاب من الباب وينظر إليها بأسف قائلا..عذرا سيدتى الكاميرا الخفية!!!
ثم ينغلق الباب والشاب بداخل العربة والفتاة بخارجها تقف مذهولة على رصيف المحطة ويتحرك المترو
والفتاة تنظر له وكأن حياتها كلها قد تحركت مع حركته
وتعود نظرة الحزن لتسكن عينيها من جديد وتظل واقفة ساكنة على رصيف المحطة